بقلم : كمال عارف" ناقد شمس الدين " ــــــــــــــــــــــk ـــــــــــــــــــــ
مقدمة
حسمت " نادية " بطلة القصة نهايتها بمأسوية قاسية ..أو هو القدر الذى حسم النهاية .. فلا أحد يدرى حتى الآن !!
**
**
**
تغرغرت عينيها بالدمع وهى تقول له هامسة :
ـ سأنتظرك .. فلا تغيب ..لا إله إلا الله ..
ـ محمد رسول الله ..
وغادر بالقطار المتجه من الإسكندرية إلى القاهرة .. تركها حزينة تعد أيام البعاد ولحظات الفراق ..
أما هو فسرحت عيناه فى الحقول الخضراء .. ساعات ويصل للقاهرة ليقدم نفسه لكلية الشرطة ، والتى قـُبل بها بعد عناء ..
وسيصبح رقماً فى سجلات المستجدين ..
أما هى فغادرت محطة الإسكندرية .. وما زالت بعينيها الدموع ..
..
كانا يلتقيان كأروع العشاق فى أجازته الخاطفة القصيرة ..
الكابينة التى تحمل رقم 181 بشاطئ المعمورة ، شهدت همساتهم .. كما شهدت عناقهم الساذج البرئ ..
وشهدت أيضا على وعوده لها بالزواج بعد أن تزين كتفيه النجمة التى حلم بها منذ الصغر ..
* * *
مرت السنوات ، وتحققت أمنيته .. وصار ضابطًا ..
ولكن البراءة فارقت أساريره .. فقد وجد نفسه فجأة فى مجتمع للكبار .. يعمل مع الكبار .. ويلعب أحيانا لعب الكبار ..
وما زالت " نادية " حبيبته فى الإنتظار ..
وما زالت أيضا براءتها فى الإنتظار ..
..
عشق العمل فى القاهرة .. وعشق ليل القاهرة .. وأصبحت مدينته الإسكندرية ، كعش الهوى المهجور ..
فكثيرا بعد أن يغلبها الشوق تُـغَـنـّى له على الهاتف بصوتها الحنون :
فاكراك ومـُش حا نساك .. مهما الزمان أسّـاك ..
وألا نسيت حبى ..
وإن رُحت مرة تزور ..
عِـش الهوىَ المهجور ..
سلـّم على ألبي ..
أنا ألبى لسه هناك ..
ويا الأمل سهران ..
عايش فى دنيا هواك ..
مشتاق بآلـُه زمان ..
أمانة يا محبوب ..
إن رحت مرة تزور ..
عش الهوى المهجور ..
سلم على ألبي .. سلم .
ولمشاغله ، ولإنبهاره بالقاهرة . لم يكن يزور عش الهوى المهجور !!
مرت سنوات و ملت " نادية " الإنتظار ..
وقررت أن تذهب هى إليه دون أن تخطره بحضورها ..
فكانت أول من سدد رسوم رحلة الكلية إلى القاهرة لزيارة معالم مصر
القديمة وعيون حلوان ..
ودت هى أن ترى عيناه هو .. وترتمى على صدره هو .. وتهمس فى أذنه بحنان :
فاكراك ومش حانساك !!
طرقت باب شقته .. ودقات قلبها تتسارع ولها صوت أعلى من الطرقات !! .. كانت تعلم أنه يعيش بمفرده ؛ فلم يكن فى يومٍ أبداً تخشاه ..
لقد أرادت مفاجأته ، ربما لتحظى بكم من الشوق المقترن بدهشته المحببة إلى نفسها ..
أما الدهشة فقد كانت من نصيبها هى !!
فقد فتحت لها الباب إمرأة نصف عارية !!
ــــــــــــــــــــــk ـــــــــــــــــــــ لقد أرادت مفاجأته .. لتحظى بكم من الشوق المقـترن بدهشته المحببة ..
وكانت الدهشة من نصيبها هى !!
فقد فتحت لها الباب إمرأة نصف عارية !! * * *
إعتذرت لها "نادية " قائلة :
ـ يبدو أننى أخطات رقم الشقة أو رقم الطابق ..
وقبل أن تستدير لتنصرف . لمحته .. لمحت حبيبها ..
فقد لمحته من وراء ظهر المرأة العارى ممداً على إحدى المقاعد .. إنه هو حبيبها !!
أما حبيبها فلم يلمحها ، أو لمحها بنظرة خاطفة ولم يدقق في تفاصيلها أو يتعرف عليها لأنه لم يتوقع أبدا حضورها !!
كان مازال فى غيبوبة القاهرة .. أو فى غيبوبة العازب فى ليال القاهرة !!
لم تخطئ هى العنوان .. وكيف تخطئ فى عنوان كتبته مرارا بدموعها وهى تراسله ليعود إلىها .. إلى عش الهوى المهجور .. * * *
تخلفت نادية عن رفاقها.. رفاق رحلة القاهرة ، وعادت للإسكندرية شاردة يعتريها الذهول . وبعينيها بريق غريب !!
وعلى فراشها جلست دامعة أو متحجرة الدموع ، و بجانبها ربطة من الخطابات الملونة يلفها شريطاً أحمر اللون .. خطابات وردية كلها مذيلة بإسمه .. بإسم حبيبها ، تحكى قصة حبهما ..
ــ هل أغضبك ذلك المغرور ؟! .. لم تسمعى كلامى وسافرت إليه ..
ضحكت نادية ضحكة غريبة لم تتعودها شقيقتها "جميلة" من قبل ..
كانت ضحكة بلا مبالاة .. ضحكة لم تضيق فيها عينيها الجميلتين كما تعودت أن تراها "جميلة" !!
وغادرت فراشها كأنها منـوّمة .. أو كأنها تلبى نداء أتاها من مجهول . وعلى قسماتها تلك البسمة الغريبة .. بسمة بلا مبالاة .. أو بسمة بلا قسمات !! سألتها " جميلة " : ـ إلى أين ؟ وبدون ان تنظر" نادية " إليها ، أو كأنها تنظر لشئ ما لايراه أحد إلا هي . قالت بصوت وكأنه يأت من بعيد :
ـ للمطبخ . سأعد الشاي !!
وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي تحدثا فيها معاً !!
وقفت " جميلة " وهي ترتدي السواد أمام المحقق و الذي إحتل هو ورجاله المنزل ، وسألها :
ـ أنت شقيقة المرحومة الوحيدة ، وتحرياتنا تؤكد بأنك على علاقة وثيقة بها ، ودائما معاً فى كل مكان ..
صمت المحقق قليلاً ريثما يشعل سيجارته .ثم نظر فى عيون جميلة يختبر صدقها ، وقال :
ـ هل تعتقدى إنه حادث قضاء وقدر أم إنتحار ؟!
كانت "جميلة " شقيقة " نادية " وصديقتها في نفس الوقت ، وتكبرها بسنة واحدة فقط ، وهي تعلم أدق أسرار قصة الحب التى عاشتها شقيقتها مع حبيبها ..
وأيضا هي تعلم أن "نادية" مسحورة بحبها وبحبيبها ..
كانت "جميلة " واقعية لأبعد الحدود .. أما نادية فقد أعمَـت الرومانسية عينيها عن صلف الحبيب وإنشغاله الدائم عنها .. ولم تصدق فى حبيبها واقعية "جميلة " المؤلمة وتأكيدها دوما بعبثية حبيبها ..
وعندما قررت "نادية" السفر إليه بحجة رحلة الكلية للقاهرة ، هددتها "جميلةا" بأنها ستخبر أمها .. فهددتها نادية بدورها بالإنتحار ، وبأنها ستشعل النار فى نفسها . إن فعلت !!
وكانت فى عينيْ " نادية " نفس الضحكة الغريبة المشدوهة العينان !!
كانت جميلة تريد أن تقتل تلك الرومانسية المدمرة فى شقيقتها ، وامام إصرار" نادية " على السفر .تراجعت شقيقتها "جميلة " عن تهديدها ولم تخبر أمها ..
نهر المحقق جميلة صارخا ألا تردين على سؤالي ؟ أنا أسألك هل اشتعال النار في جسد شقيقتك نادية قضاء وقدر أم إنتحار ؟!
قالت "جميلة " كاذبة والدمع يترقرق فى عينيها :
ـ نادية واقعية !! ولا تقدم على الإنتحار !! يبدو إنها وهى تُـعد الشاى أمسكت النار فى ثيابها !!
نظر لها المحقق وفى عينيه الشك ؛ وسأل جميلة بنظرة ثاقبة :
ـ هل كان لها أى علاقات غرامية ؟
ردت جميلة أيضا كاذبة وبإنفعال :
ـ أنا قلت لك يا سيدى إن نادية واقعية !!..ولم يكن لها أى علاقات غرامية .. * * *
أمر المحقق بتشريح الجثة ، و الذي جعل من حجرة صالون المنزل المنكوب مكتبه ، وكتب في نهاية الأوراق عبارة :
" ... على أن توضح نتيجة التشريح الكشف على عذريتها ، وبيان إن كانت تعرضت القتيلة لأى ممارسات جنسية مؤخرا من عدمه " !! * * *
وأظهرت نتيجة التشريح بأن الجثة لفتاة بكر ، وإن أسباب الوفاة حروق شديدة من الدرجة الثالثة نتيجة إمساك النار في ملابسها ، ولا توجد آثار لمواد سريعة الإشتعال ، و يرجح أن الحادث قضاء وقدر .. وليس هناك أى شبهة جنائية !!
* * * ***
علم الحبيب هاتفياً من "جميلة" بالحادث..
كانت جميلة هى الوحيدة التى تعلم أن نادية اشعلت النار فى نفسها ، ولكنها لم تفصح لأحد بسرها منعا من الفضيحة وكلام الجرائد ..
ولم يعلم الحبيب ان حبيبته قد جاءت للقاهرة ، و رأته دون أن يدري من خلف الظهر العارى !! كانت "جميلة " متيقنة بأن هناك حدث جلل وراء عودة نادية الخاطفة من رحلة القاهرة ، ولكن نادية لم تفصح لها كما تعودا دائماً أن يتصارحا !!
وكان لابد من الإستجواب !! لابد أن تسجوب الحبيب بنفسها حتى تعلم ما جرى !!
وحضر الحبيب من القاهرة مذهولاً من الذي جرى ..
و تقابل مع شقيقتها جميلة والدموع تملأ عينيه .. وأقسم الحبيب لـ جميلة بإنه لم يرى نادية فى القاهرة . وكان صادقا ..
أما الشقيقة جميلة فلم تصدقه .. ومازالت حتى الآن لا تصدّقه !!
طلب العاشق المفجوع من الشقيقة الحزينة أن يزور قبر حبيبته ..
و هناك وقف يبكى كلأطفال أمام قبرها !! كانت جميلة ترقبه ، ويداخلها الشك القوي بأن الحبيب يخفي عنها الذي حدث في القاهرة !!
غادر الحبيب قبر حبيبته مترنحاً من أثر البكاء ..
ركب سيارته وبجواره جميلة ، ثم .. ثم إكتشف إنه نسى سترته التي كان يمسكها في يده فوق قبر حبيبته !!
عاد العاشق الحزين للقبر بمفرده .. وقد أوشك الظلام أن يحل على المكان ، وبدت شواهد القبور كأنها حشد متراص من البشر منتظرين ساعة الحساب !!
وجد سترته كما تركها .. ولكنها كانت دافئة للغاية !! .. وضعها بإهمال على كتفيه .. شعر بشئ مكتظ داخل أحد جيوب سترته.. مد يده يتحسسه ..
كانت ربطة خطاباته الملونة لحبيبته .. و يلفها شريط أسود داكن !!
ولم يعلم أحد حتى الآن بمن الذي وضع خطاباته الملونة في سترته !!
* * ***
ومن هناك ... من غرفة حارس القبور ..إنبعثت من مذياع قديم ومتهالك تلك الغنوة التى تذاع نادراً !!
" فاكراك ومش حا نساك .. مهما الزمان أساك .. وألا نسيت حبى .. وإن رحت مرة تزور .. عش الهوى المهجور .. سلم على قلبى " !! * * ***
ودائما .. و في كل عام ، وكلما حلت ذكرى وفاة محبوبته تتناهى لأذنيه نفس الغنوة النادرة حيثما كان ، وفي أي مكان !!
فاكراك ومـُش حا نساك .. مهما الزمان أسّـاك ..
وألا نسيت حبى ..
وإن رُحت مرة تزور ..
عِـش الهوىَ المهجور ..
سلـّم على ألبي !!
إنتهت م ن ق و ل
™ SHODЧ ┗ إدارة مُجتمنإ ≈
مُشِإركِتيَ ≈ : 1990 أنِإ منِ ≈ : مملكتنآ آلحبيبة
موضوع: رد: نادية !!ّّّ السبت أكتوبر 23, 2010 3:17 pm