الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين
و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا يا رب العالمين
أما بعد
لا تحزن
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله... أما بعد:
يا من تملّك الحزن قلبه.. وكتم الهمّ نفسه. وضيّق صدره.. فتكدرت به الأحوال.. وأظلمت أمامه الآمال.. فضاقت عليه الحياة على سعته.. وضاقت به نفسه وأيامه.. وساعته وأنفاسه !
لا تحزن.. فما الحزن للأكدار علاج.. لا تيأسي فاليأس يعكر المزاج.. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج !
لا تحزن.. فالبلوى تمحيص.. والمصيبة بإذن الله اختبار.. والنازلة امتحان.. وعند الامتحان يعز المرء أو يهان
فالله ينعم بالبلوى يمحصنا .:. من منا يرضى أو يضطربُ
ماذا عساه أن يكون سبب حزنك؟
! إن يكن سببه مرض.. فهو لك خير.. وعاقبته الشفاء..
قال ((صلي الله عليه وسلم)) :
{ من يرد الله به خيراً يصب منه }،
وقال الله جل وعلا: (( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ))الشعراء:80.
وإن يكن سبب حزنك ذنب اقترفته أو خطيئة:.. فتأمل خطاب مولاك الذي هو أرحم بك من نفسك (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)) الزمر:53].
وإن يكن سبب حزنك ظلم حلّ بك من زوج او زوجة أو قريب أو بعيد فقد وعدك الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلان والذل.
فقال تعالى(( وَاللّهُ لاً يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ))آل عمران:140]
وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم { وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين }.
وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة، فاصبر وأبشر.. قال الله تعالى (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ((البقرة:155].
وإن يكن سبب حزنكِ انعدام أو قلة الولد، فلست أول من يعدم الولد، ولست مسؤولة عن خلقه.
فهل أنت من شاء العقم؟ أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك ! وهل لك لأن تعترضي على حكم الله ومشيئته ! أو هل لزوجك أو سواه أن يلومك على ذلك.. إنه إن فعل كان معترضاً على الله لا عليك ومغالباً لحكم الله ومعقباً عليه..
فعلام الحزن إذن والأمر كله لله !
لا تحزن.. مهما بلغ بك البلاء ! وتذكر أن ما يجري لك أقدار وقضاء يسري.. وأن الليل وإن طال فلا بد من طـلوع الفجر !
وإليكم كلمات نيرة تدفعون بها الهموم.. انتقيتها لكم من مشكاة النبوة لتنير لكم الطريق.. وتكشف عنكم بإذن الله الأحزان.
أولاً: كن إبن يومك
اجعل شعارك في الحياة: ما مضى فات والمؤمل غيبُ . :. ولك الساعة التي أنت فيها
وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه:
( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) [رواه البخاري].
تناسي الماضي مهما كان أمره، انساه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد عليك يومك، ويزيدك هموماً على همومك. تصور دائماً أنك وسط بين زمنين:
الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنك.. ذهنك فقط ! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم.. لأنه انتهى وانقضى.. وتولى ومضى !
والثاني: مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل.. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدرك كنهه أحد.. (( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]،
فلا تحطم فؤادك بأحزان ولّت.. ولا تتشاءم بأفكار ما أحلت ! وعش حياتك لحظة.. لحظة.. وساعة ساعة.. ويوماً بيوم !
تجاهل الماضي.. وارمِ ما وقع فيه في سراب النسيان..
وامسح من صفحات ذكرياتك الهموم والأحزان.. ثم تجاهل ما يخبئه الغد.. وتفائل فيه بالأفراح.. ولا تعبر جسراً حتى تقف عليه.
تأمل كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: { اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال } [رواه البخاري ومسلم].
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها.. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.
يومك يومك تسعد.. أشغل فيه نفسك بالأعمال النافعة..
واجتهد في لحظاته بالصلاح والإصلاح..
استثمري فيه لحظاتك في الصلاة.. في ذكر الله.. في قراءة القرآن.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير.
في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30].
ثانياً: تعبد الله بالرضى
لا تحزن.. اجعل شعارك عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها..
اهتف بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقك البلية.. مزية.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة !
استرجع عند الجوع والفقر.. وعند الحاجة والفاقة.. وعند المرض والمصيبة.. وأبشر بالرحمة من الله وحده !
ثالثاً: افقه سر البلاء
لا تحزن.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4].
طبعت على كدر وأنت تريدها .:. خاليـة من الأنكاد والأكدار
لا تحزن.. واستشعر في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله !.. تثبت وتأمل وتمالك وهدأ لأعصاب..
وكأن منادياً يقول لك في خفاء هامساً ومذكراً: أنت الآن في إمتحان جديد.. فاحذر الفشل.
تأمل قوله : { من يرد الله به خيراً يفقه في الدين } [رواه البخاري]، ثم قوله : { من يرد الله به خيراً يصب منه } [رواه البخاري].
فطالب العلم.. والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما.. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه !
فكما أن العلم شرف.. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر به ذنباً.. ويفرج به كرباً.. ويمحي به عيباً.. ويحدث بعده أمراً لم يكن في الحسبان.
وفي الحديث: { إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط } [رواه البخاري].
رابعاً: لا تقلق
المريض سيشفى.. والغائب سيعود.. والمحزون سيفرح.. والكرب سيرفع.. والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6،5].
لا تحزن.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية.. ليطمئن قلبك.. وينشرح صدرك..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى *** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
خامساً: اجعل همك في الله
. إذا اشتدت عليك هموم الأرض.. فاجعل همك في السماء..
ففي الحديث: { من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك } [صحيح الجامع: 6189].
لا تحزن.. فرزقك مقسوم.. وقدرك محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال.. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد20].
إذا آوى إليك الهم.. فأوي به إلى الله.. والهج بذكره:
قــــــــل ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )،
(( ما أصاب عبداُ هم و لا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي " . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحـاً
قـــل ((لا اله الا أنت سبحـانك أني كنت من الظـالمين))
اطلب السكينة في كثرة الإستغفار.. استغفر بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذاً بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة..
لا تحزن.. وافزع إلى الله بالدعاء.. لا تعجز ففي الحديث { أعجز الناس من عجز عن الدعاء }
تضرع إلى الله في ظلم الليالي.. وأدبار الصلوات.. اختل بنفسك في قعر بيتك شاكياً إليه.. باكيالديه.. سائلافَرَجُه ونَصره وفتحه.. وألحِّ عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء..