بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم جبت قصه منقوله على لسان صاحبها
بدات القصه
قصة شاب صغير أحب طلب العلم
ومات محمد
التقينا فتكسرت بيننا الحدود، تآخينا في زمن الوفاء به مفقود، أحببته وكان حباً في الله نشأ وتربى في بيت من بيوت الله.....
كان صغيراً
ولا تسألني عنه الآن...
ومضت الأيام سريعة
في كل يوم أتعلم منه ، يتعلم مني ، نبحث عمن يعلمنا.....
وفجأة....
تغيرت الأوضاع في البلد ، وازدادت سوءاً مع الأيام....
قرر أبوه الرحيل
تدخلت في الأمر ، حاورت ..ناقشت..جادلت، وبذلت الرأي مع العمل.....
وكان الرحيل هو القرار الأخير
ودعته وأنا أكفكف دموعي ، ونشيجي يقتل كلمات الوداع ، في صدري.....
وكان يوم الوداع يوماً حزيناً.
ــــــــــــــــ
رحل وكلماته في سمعي.....
عبدالله لا تنس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) طلب العلم فريضة على كل مسلم).
هذه الكلمات كانت لي زاد....
حثتني على طلب العلم.....
التحقت بعدة دروس.....
حملت أوراقي وأقلامي تتبعتها حيثما كانت.....
شعرت بالسعادة ، وزيادة الإيمان.....
وتزداد سعادتي كلما تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) الدال على الخير كفاعله).
وأقول هنيئاً له
ــــــــــــــــ
وتمضي الأيام ، لكنني لم أنساه، وكيف أنساه؟....
فقرآنٌ تلوناه ، وكتابٌ قرأناه ، ومسجدٌ سجدنا فيه لله، كل هذه تذكرني إياه.....
كم تذاكرنا زماناً يوم كنا سعداء بكتاب الله نتلوه صباحاً ومساء
ــــــــــــــــ
سهرت تلك الليلة ، أمسكت القلم اكتب له رسالة....
حدثته عن أخباري، وسألته عن أخباره....
وركض القلم في يدي لايتوقف ، ومداده على الورق يسطر....
ياترى ماذا يسطر؟
وهل القلم هو الذي يسطر؟
أم أنها أحاسيس ومشاعر، سبقت الرسائل، بل سبقت كل ماهو جديد في عالم الاتصال.....
سطرت بيدي موعظة عن !..
هادم اللذات
ذكرته وعظته
وختمت رسالتي بتاريخ تلك الليلة ، الثامن عشر من شهر شعبان....
وأرسلت الرسالة مع أول مسافر....
وبعدها أخذني التفكير ، لماذا هذه الرسالة؟
أهي موعظة...أم رسالة؟
لم أترك لنفسي فرصة للندم ، فقد مضت الرسالة وهو الآن يقرأها....
ــــــــــــــــ
لم يكن من عادتي الذهاب إلى مسجد أويس القرني صباحاً....
ولكنني وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام المسجد....
أوقفت سيارتي....
سرت بخطواتٍ بطيئة....
أرفع قدماً وأتمتم بينهما....
فهذا الشارع مشيت فيه أنا ومحمد....
وفي نهايته هناك دار محمد....
نظرت إليها متأملاً، وكأنني استرجع الذكريات الجميلة....
وأمام باب المسجد وقفت أتأمل زواياه ، فهنا حلقتي وهناك حلقته....
رآني الطلاب، ركضوا نحوي، وتنادى الجميع ( الأستاذ عبدالله)....
سلمت عليهم ، مازحتهم وضحكت معهم....
تجولت بنظري في جميع أرجاء المسجد ، تساءلت في نفسي: أين سليمان؟ مالي لاأراه في حلقته....
ــــــــــــــــ
بحثت عنه إنه يذكرني ، بالعزم والإصرار، والمسارعة إلى الخيرات....
فهو لم يتجاوز السادسة عشر ، وحج مع محمد....
رغم اعتراض الجميع عليهما....
لازلت اذكرهما عندما انطلقا إلى منى....
ــــــــــــــــ
لم أرَ سليمان ، وهممت أن أسأل عنه زملائه....
وقبل أن أسأل ، رأيته يأتي من بعيد....
أنكرته أنكرت حاله، اقبل نحوي، وكأن على ظهره حملٌ ثقيل ، ألقى بنفسه على كتفي ، أخفى نشيجه وأنينه، أرسل دموعه على صدري....
كأنه طفلٌ صغير ، جذبته بقوة ، واتجهت به إلى السيارة....
سكتُ ولم اسأله ، وسكت هو وظل يبكي....
ــــــــــــــــ
تركت لنفسي التفكير
ياترى ماذا حدث له؟
هل ذكرى محمد تؤرقه؟
أم مصيبةٌ ألمت به؟
أوقفت سيارتي عند مسجدي ، طلبت منه النزول....
رفض وكنت أظنه سيفرح....
فأجبته لما أراد....
قلت سأذهب إلى مكان يحبه....
إلى مكان يحتضن ذكرى محمد....
اتجهت نحو البحر....
وكلما اقتربت من المكان، كلما زاد في البكاء....
خفت وعدت أتسائل مالذي حدث؟
لقد ظننت أن هذا المكان سيجعله سعيداً....
أوقفت السيارة ، نزل متثاقلاً....
ضحكت ضحكة االخائف القلق ، وداعبته قائلاً:
أتتذكر هذا المكان جيداً؟
فهمهم بكلماتٍ ممزوجة بالبكاء: ليتك اخترت غيره....
فعادت ابتسامتي خوف وقلق....
إذن مابالك تبكي؟
قال جاءني العم حسين وقال: لقد حدث لمحمد حادث....
ولم يكمل من شدة البكاء....
أخفى رأسه بين ركبته....
أطبقت بيدي على كتفيه ....
هززته...حركته...صرخت به....
مات...مات...مات
إنا لله وإنا إليه راجعون
لاحول ولاقوة إلابالله
وصرخت به مرةً أخرى: قم....قم....
أرسلت العينان الدموع حارة
لقد مات محمد
.................................................. .
ومات محمد (2)
حزمت أمتعتي ، واتجهت نحو محطة النقل الجماعي....
وفي أول رحلة صعدت متجهاً نحو قرية محمد....
وصلت القرية ليلاً ، كاد السائق أن يتخطى مدخل القرية.....
صرخت به توقف....هاهو مدخل القرية....
وقف، ولكن في أرض رملية....
حاول الخروج لكنه لم يستطع....
حاولت معه ولكن جميع المحاولات لم تنجح....
طرقت باب دارٍ قريبة من الخط الرئيسي، وطلبت منه المساعدة....
سألته عن والد محمد ، لكنه لم يتعرف عليه....
قلت: لقد مات ابنه في حادث سيارة ، لكنه سكت....
تسلل الفرح إلى قلبي ، وشعرت أن الحادث إشاعة....
ابتسمت لكن صوت طفل من داخل البيت انطلق ليحاصر آمالي التي انتعشت ، ويئد أحلامي التي انبعثت من جديد ، فيُذكر الأب الناسي ، ويعيدني إلى دوامة الحزن....
انطلق يصف لنا الطريق ، وانطلقت دموعي تسيل على خدي ويخفيها الظلام....
عاد الرجل إلى بيته ، والسيارة لازالت وسط الرمال....
استجمعت قواي واستعنت بالله في دفعها حتى تمكن السائق من إخراجها ، وسرنا على الوصف....
وفي الطريق وجدنا رجل يعرفني وأعرفه ، عانقني وعانقته ، ثم صعد معنا السيارة ، وراح يصف الطريق....
اقتربنا من دار يتسلل من خلال جدارها المصنوع من القش ضوء خافت ، أشار الرجل إليه قائلاً : ذاك دار والد محمد....
أوقفنا السيارة وخرج الرجل ينادي ، فخرج مجموعة لم أتبين أحداً منهم فقد كان الظلام ودموعي يحجبان النظر عني....
قشعريرة سرت في جسدي ، شعرت أن قدميي غير قادرتين على حملي ، تملكتني رغبة شديدة في البكاء ، حاولت كتمانه ، نزلت من السيارة ، ألقيت بجسدي بين أحضان والد محمد ولم استطع الكلام ، راح يعزيني ، أما أنا فقد كنت أحمد الله أن الظلام كان شديداً فلايرى أحد دموعي....
انتقلت من حضن إلى حضن ، شعرت أثناء ذلك بحب عظيم....
وشعرت من فرحهم الحزين بقدومي أن محمدا قد عاد إليهم....
أما أنا فأيقنت بأني قد فقدت محمد !....
دخلت إلى الدار وهناك انبعث صوت حزين يخاطبنا منعلى بعد....
عبدالله..عبدالله..مات محمد ياعبدالله....
وقفت الكلمات في حلقي ، ولم انطق ، لكنها راحت تعزيني وتصبرني....
الجميع يتحرك فهذا يجهز سريراً لي ، واخر يحضر الماء ، الأب يدعوني لأجلس ، يسألني عن أخباري ، عن مدينتي ، يريد أن ينتشلني من دوامة الحزن التي سكنت وجداني....
قدموا لي الطعام ، حاولت أن أتناوله لكن غصة الحزن تلفظه ، حاولت ولكني لم استطع....
أعلن الأب للجميع أن يتركوني لكي أنام ، انصرفوا ووجهت بصري نحو السماء والتي زينتها النجوم وهمت مع الذكريات....
شعرت بحركة في سريري، ألتفت وإذا علي الصغير يصعد بجانبي ، يردد أبيات على سمعي:
صلوا علي صلاة لاركوع لها ولاسجود لعل الله يرحمني
ويقول: لقد قلت لهم أن الأستاذ عبدالله سيأتي ، احتضنته وقبلته وجلست استمع إليه.....
سلوت معه وهو يحدثني ، مضى الليل ، وارتفع صوت المؤذن يعلن عن صلاة الفجر....
سألته : هل تعرف طريق المسجد ؟ نعم كانت إجابته....
انطلقت إلى المسجد وهو معي ، وبعد الصلاة سألني : هل تريد أن ترى قبر محمد ؟ قلت له : نعم....
سرنا حتى وصلنا قبر محمد ، أشار إليه....
وقفت أدعو له وبكيت بكاءً مراً ، لم أشعر بمن حولي....
عدنا إلى البيت وقد وعدني أن لايخبر أحد ببكائي ووعدته ألا أخبر أحداً بأنه ذهب بي إلى قبر محمد....
أشرقت الشمس فأرسلت أشعتها الذهبية على كثبان الرمال الصفراء ، فيظهر المكان يبث لي حديث الأمس عندما كان محمد يتنقل بين أرجاءه....
فهذه حقيبته التي أودعها أوراقه ودفاتره ومذكراته....
نثرتها بين يدي أقلب صفحات الماضي الجميل....
فهذه رسائلي بحثت فيها عن رسالتي الأخيرة ، لكنني وجدت توقيع له على إحداها كتبه بخط يده....((مامن رجلين تحابا في الله إلاكان أحبهما إلى الله أشدهما حباً لصاحبه)) حديث صحيح....
ترقرقت دمعة في عيني وقلت: حتى في هذه سبقتني يامحمد....وجدت رسائل كتبها لي ، ولم يرسلها ، جميعها تحثني على طلب العلم ، تذكرني بعلماء الأمة ورحلتهم في طلب العلم، حشد فيها الكثير والكثير من القصص التي تشحذ الهمم....
ووجدت بين الأوراق رسالة قد قطعت ، فتحتها فإذا هي رسالتي الاخيرة....
لم يقرأها فقد وصلت ومحمد في المستشفى....
ومن بين بقاياه دفتر كتب عليه : أقوال الأئمة الثقاة في اثبات الصفات لرب الأرض والسموات ، جمع فيه أقوال الأئمة الأعلام في إثبات صفات الله عزوجل (والتي لايثبتها الأشاعرة والمعطلة) ، يحتوي على مقدمة بعثها لأحد مدرسيه في المعهد العلمي ليبين له فيها منهج أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله عزوجل ، بعد مناقشة حدثت بينهما في الصف....
لفت نظري غرفة صغيرة من القش ، لكنها لم تكتمل ، تعجبت وزال العجب ، عندما قالوا لي: بدأمحمد في بناءها ليخلو فيها بنفسه في رمضان....
وقفت أتأمل المكان ، سافرت إلى الماضي القريب ، تذكرت كلماته:
هناك لاأجد الطعام فأصوم نهاري ، ولاأجد مايخفف حرارة الجو فأقوم ليلي....
جسدي في الأرض أما روحي وعقلي فقد رحلا إلى البعيد ، ولم أفق إلا على صوت حسن ابن عمة محمد يقول : السلام عليكم ، رددت السلام....
غمرني حسن بالمحبة وكأنه يعرفني منذ زمن بعيد ، كان شاباً بسيطاً لم يغادر القرية من قبل....
جلست معه فراح يحدثني عن محمد حديثاً عذباً جميلاً ، أنصت له بكل جوارحي....
كانت دموعه تغلبه أحياناً ويغلبها أحياناً أخرى ، شعرت بأن حزنه على محمد عظيم ، فقد تغيرت حياته من اللهو والعبث إلى الجد
والالتزام والحرص على اتباع السنة ، شعر مع محمد بحقيقة وجوده في الحياة ، كان يأمل أن يغد الخطى معه إلى الجنة ، لكنه أضاء له طريق ومضى هو....
وصف محمد فكأنه يصف رجلاً من بقية السلف بعث فينا فترة من الزمن ثم رحل.....
........................
كيف مات محمد
وجدت ضالتي، هكذا قلت بعدما جلست مع حسن....
في ظلام الليل ، ذهب الجميع إلى فرشهم ، وجلس حسن أمامي يحول بين وبينه الظلام....
همست له : حسن كيف مات محمد ؟....
سكت برهة وكأنه يمنع بكائه أن يفضحه وراح يتحدث....
صلينا الفجر معاً وبعد الصلاة قررت أن أتأخر في الذهاب أما هو فقد كان متعجلاً ، فارقني ودخل إلى داره ، يوقظ النائمين ويمزح مع المستيقظين ، جلس مع أمه وجدته تناول قطعاً من الخبز والحليب ، كان وجهه يتهلل بالسرور ، توجه نحو جده وأبيه منحهما الكثير من الحب والبر قبل أن يجمع أوراقه وأقلامه ويتوجه نحو الشارع الرئيسي....
في الطريق نثر الابتسامة على كل من رآه ، وسابق الجميع بالسلام....
التقى بمدرس التحفيظ في المدرسة الذي داعبه قائلاً : متى نزوجك يامحمد؟
فأجاب : هناك...هناك ويشير إلى الجنة....
فقال : وهنا أيضاً....
ولكن الإجابة هذه المرة كانت تعبر عن ألم دفين في قلب محمد ومرارة عبرت عنها هذه الكلمات : باطن الأرض خير من ظاهرها....
ومضى في الطريق يردد الأذكار حيناً وحينا ينشد هذه الأبيات:
أخاف الموت والحشر العباد فما عرفوا التواني والرقاد
وكان مسيرهم لله دوماً وما يبغي الإله وما أرادا
فويل للمفرط إذ تماد ولم يسرج لأخراه الجياد
وأهمل طاعة الرحمن حتى حداها الله للعسرى فحادا
وفي أثناء سيره التقى باثنين من رفقائه الذين قطعوا معه ما تبقى من الطريق....
وعلى الشارع الرئيسي اجتمع عدد كبير من أبناء القرية ينتظرون سيارة تنقلهم إلى المدينة....
لم ينتظروا فقد توقفت سيارة نقل بضائع كبيرة ، قفزوا إليها في سرعة كبيرة....
اختار محمد ورفقاؤه الجلوس في مؤخرة حوض السيارة وراحوا يتبادلون الأحاديث....
مضت السيارة في الطريق والحديث يدور بين الجميع فمنهم من يضحك ومنهم من يبتسم ، ومنهم من يتأمل ، النشاط والحيوية ، الصحة والشباب ، والهمة العالية ، والهموم المشتركة تجمع بينهم....
وفجأة...تنحرف السيارة يميناً في محاولة يائسة لتفادي الاصطدام بسيارة فقد سائقها التحكم فيها....
ارتطام قوي ارتفعت أجساد الطلاب في الهواء لتسقط على الأرض الخرسانية....
انطلقت الصرخات ثم تبعتها الآهات والأنين وجرت الدماء على الأرض لتحكي فاجعة القرية الصغيرة في شبابها....
سمعت الخبر فأسرعت نحو مكان الحادث ....
الآهات والأنين والبكاء تنبعث من المصابين ، أما السائق فقد قضى نحبه في الحال....
بحثت بين الأجساد المتناثرة على الأرض عن محمد حتى وجدته ، يئن والدم ينزف من وجه ورأسه....
احتضنته بين يدي ورحت أصرخ إسعاف..إسعاف محمد سيموت أدركوني....